إعلان الرئيسية

رئيس مجلس الإدارة
د.محمد مصطفي كمال
رئيس التحرير
ابراهيم عبدالله


الدكتور محمد صابر حفلش

دكتوراه إدارة الأعمال – جامعة نيويورك للدراسات المهنية

محاضر أكاديمي معتمد للعلوم الإدارية

مستشار بلجنة تقصي الحقائق بالمنظمة الدولية لحقوق الإنسان

وكيل أكاديمية أكاكوس لإدارة الأعمال

مدرب TOT دولي معتمد

لم يعد العنف في المجتمع مجرد سلوكٍ فردي عابر أو ظاهرةٍ طارئة يمكن تجاهلها، بل أصبح جرحًا مفتوحًا في ضمير الإنسانية، يزداد عمقًا كلما غاب الوعي وتراجعت المواجهة. وحين يتجه هذا العنف نحو المرأة والطفل، فإنه يتجاوز حدود الاعتداء ليصبح خيانة صريحة للقيم الإنسانية والأخلاقية، لأن المرأة تمثل روح المجتمع، والطفل هو بذرة مستقبله، وأي أذى يلحق بهما إنما ينعكس مباشرة على استقرار المجتمع وتوازنه.


يتخفّى العنف اليوم في صور متعددة، لا تقتصر على الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل تمتد إلى الكلمة الجارحة، والإهمال المتعمد، والقسوة في أساليب التربية، وصولًا إلى العنف النفسي والتحرش الجنسي الذي يُمارس في الخفاء تحت مسميات زائفة كالعُرف أو التربية أو فرض السيطرة. تُعنَّف المرأة لأنها تُصنَّف على أنها الأضعف في نظر الجاهل، ويُقهر الطفل لأنه لا يمتلك صوتًا يدافع به عن نفسه، ومع تكرار هذه الممارسات ينشأ جيلٌ مثقل بالخوف والغضب، قد يعيد إنتاج العنف نفسه في المستقبل، فتستمر الدائرة دون نهاية.


ومواجهة العنف لا تبدأ بالقوانين وحدها، على أهميتها وضرورتها، بل تنطلق أولًا من الوعي المجتمعي، ومن إدراك أن القوة الحقيقية لا تكمن في البطش، بل في الرحمة، وأن التربية ليست كسرًا للإرادة، بل بناء للإنسان، وأن الخلاف لا يُحل بالقسوة أو الإهانة، وإنما بالحوار والاحتواء واحترام الكرامة الإنسانية.


وعند العودة إلى سيرة النبي محمد ﷺ، نجد نموذجًا إنسانيًا متكاملًا في مناهضة العنف بكل أشكاله، خاصة العنف الموجَّه إلى الضعفاء. فقد جاء الإسلام في زمنٍ كانت فيه المرأة تُهان، والطفلة تُدفن حيّة، والضعيف لا يُلتفت إليه، فرفع النبي ﷺ مكانة المرأة، وجعل الإحسان إليها مقياسًا للإيمان، مؤكدًا في وصيته الجامعة: «استوصوا بالنساء خيرًا».


أما الطفل، فقد تعامل معه النبي ﷺ باعتباره إنسانًا كامل الكرامة، لا مجال لقسوته أو إهانته، فكان يحمل الأطفال ويلاطفهم، ويُطيل السجود إذا ركب طفل على ظهره، في مشهد يجسّد أسمى معاني الرحمة والقوة الأخلاقية. ومن أبلغ المواقف الدالة على ذلك، ما رُوي عن رجل تفاخر أمام النبي ﷺ بقسوته قائلًا: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ واحدًا منهم قط. فكان رد النبي ﷺ المختصر والعميق: «من لا يَرحم لا يُرحم»، مؤكدًا أن الجفاف العاطفي ليس دليل رجولة، بل علامة غياب للرحمة.


وفي مشهد إنساني آخر، رأى النبي ﷺ امرأةً تبحث عن طفلها بين السبي، فلما وجدته احتضنته وأرضعته بلهفة، فقال لأصحابه: «أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟» قالوا: لا والله يا رسول الله، فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها». بهذا التصوير العميق، أعاد الإسلام تعريف مفهوم القوة وربطه بالرحمة لا بالعنف.


إن هذه القيم ليست مجرد مواعظ تُروى، بل منهج حياة متكامل يواجه العنف بالعدل، والقسوة بالرحمة، والجهل بالوعي. ومجتمعنا اليوم أحوج ما يكون إلى استعادة هذا المعنى وتطبيقه عمليًا داخل البيوت، وفي المدارس، وفي أماكن العمل، وفي الشارع، حتى نتمكن من كسر دائرة العنف، وبناء بيئة آمنة تضمن للمرأة والطفل حقهما الطبيعي في الأمان والكرامة والحياة.


وفي هذا السياق، تمثل القوانين التي وضعتها الدولة لمواجهة العنف ضد المرأة والطفل خط الدفاع الأول عن الكرامة الإنسانية، فهي لا تقتصر على معاقبة المعتدي، بل تحمل رسالة واضحة مفادها أن حماية الضعفاء واجب وطني ومسؤولية جماعية لا تقبل التهاون أو الصمت

بوابة الأهرام أعلن هنا
بوابة الأهرام أعلن هنا