إعلان الرئيسية

رئيس مجلس الإدارة
د.محمد مصطفي كمال
رئيس التحرير
ابراهيم عبدالله


بقلم المستشار أحمد غلوش

محامٍ ومستشار تحكيم دولي،

عضو المجمع الملكي البريطاني للمحكمين (CIArb)،

وعضو نقابة مستشاري التحكيم الدولي وخبراء الملكية الفكرية بمصر،

وعضو المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)،

وعضو نقابة المحامين الأمريكية (ABA).

في عالم تتسارع فيه التحديات الاقتصادية وتتزايد النزاعات العابرة للحدود، يبرز التحكيم أداة رئيسية في يد الدولة الحديثة لحماية استثماراتها وتعزيز ثقة المستثمرين في مناخها القانوني.

ولم يعد يكفي أن تمتلك الدولة تشريعات متطورة تنظم الاستثمار، بل بات من الضروري أن تتوافر لديها منظومة تحكيم وطنية فعّالة تُحقق العدالة بثقة وشفافية، وتعكس احترام الدولة لالتزاماتها الدولية وسيادة قانونها.

ومن هذا المنطلق، يمثل التحكيم المصري كضمانة سيادية تُجسد التوازن الدقيق بين احترام السيادة الوطنية وجذب الاستثمارات الأجنبية.


التحكيم كضمانة للسيادية القانونية


إن التحكيم في جوهره – من وجهة نظرنا – ليس مجرد وسيلة فنية لفض المنازعات ، بل هو تجسيد لمدى إيمان الدولة بسيادة القانون واحترامها لمبادئ العدالة.

فالدولة التي تؤمن بالتحكيم كآلية عادلة وشفافة لتسوية النزاعات تُرسل رسالة طمأنة قوية للمستثمرين، مفادها أن الاستثمار فيها محمي بالقانون لا بالمحاباة.

وقد تبنت مصر هذا المفهوم من خلال تحديث تشريعاتها وتعزيز استقلال منظومة التحكيم وتطوير مراكزه بما يتماشى مع المعايير الدولية، مما أكد التزامها بواجباتها في الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف.


تطور المنظومة المؤسسية والتشريعية للتحكيم المصري


شهدت مصر خلال العقود الأخيرة تطورًا تشريعيًا ومؤسسيًا لافتًا في مجال التحكيم.

فقد شكل القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية حجر الزاوية في ترسيخ مبدأ الاستقلال، كما دعمت محكمة النقض ومجلس الدولة هذا الاتجاه عبر أحكامهما التي أكدت حرية الأطراف في اللجوء إلى التحكيم كوسيلة بديلة للتقاضي.

كما لعب مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي دورًا محوريًا في ترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي موثوق، معترف به من مؤسسات تحكيمية دولية مرموقة، من خلال رفع كفاءة المحكمين المصريين وتبني قواعد تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، مما عزّز ثقة المستثمرين في البيئة القانونية المصرية.


التحكيم المصري في مواجهة التحولات العالمية


مع مزيد من التدقيق؛ تلاحظ لنا أن المنافسة لم تعد بين الشركات فقط، بل أضحت بين الأنظمة القانونية في جذب الاستثمارات، وأصبح لزامًا على الدول أن تبني منظومات تحكيم وطنية تتمتع بالاستقلال والحياد والقدرة على التعامل مع النزاعات ذات البُعد الدولي.

وقد واجه التحكيم المصري العديد من التحديات، كان أبرزها بعض القضايا الاستثمارية التي أقيمت ضد الدولة أمام مراكز دولية مثل ICSID مما جعل التحكيم ليس مجرد استجابة لضغوط خارجية، بل هو خيار استراتيجي نابع من إرادة الدولة في ترسيخ الثقة بسيادة القانون، وحماية المال العام، وصون مكانة القضاء الوطني أمام المتغيرات الدولية.


نحو منظومة تحكيم وطنية رائدة


إن تعزيز مكانة التحكيم المصري في حماية الاستثمارات يتطلب استمرار الجهود في تدريب الكوادر القانونية وتأهيل المحكمين على أعلى المستويات، ليس فقط عن طريق الدورات التدريبية المتخصصة، بل عبر دمج مفاهيم التحكيم في التعليم القانوني الجامعي.

كما أن دعم التعاون بين مؤسسات التحكيم المحلية والدولية لتبادل الخبرات وتحديث المعايير الإجرائية والفنية يؤكد تلك المكانة.

ومن الأهمية بمكان أن تسعى الدولة بكل مؤسساتها إلى دعم المنظومة من خلال الحفاظ على الثقة والاستقلال، دون أن تتجول إلى طرف مؤثر على حساب طرف آخر.

فالمحكم المصري هو في حقيقته سفير للقانون الوطني في المحافل الدولية، وواجبه أن يعكس قيم العدالة والحياد والكفاءة التي تمثل جوهر المنظومة القانونية المصرية.


خاتمة


إن التحكيم في جوهره ليس مجرد نظام بديل للتقاضي، وليس وسيلة لحل النزاعات، بل هو انعكاس مباشر لسيادة الدولة واحترامها للعدالة.

وكل قضية يتم حسمها بعدالة داخل الإطار التحكيمي، وكل حكم يتم تنفيذه داخل مصر بعدل وشفافية، يمثل شهادة على نضج مؤسسات الدولة وثقة المستثمرين فيها.

وفي ظل التحولات العالمية الراهنة، يظل التحكيم المصري درعًا قانونيًا سياديًا يجذب الاستثمارات، ويُجسد التوازن بين السيادة الوطنية والانفتاح الاقتصادي.

المستشار أحمد غلوش

بوابة الأهرام أعلن هنا
بوابة الأهرام أعلن هنا